بسم الله الرحمن الرحيم
لـ أثار علماءنا نحنُ سرنا ، ولـ نهر علمهم نحنُ ننهلْ ، ولـ مزيد علمهم وضياءها نحنُ
لم نكتفي .
سيرة عطره لـ شيخنا ابن كثير، سنسير سويّاً ونستزيد من جمال علمه و وهجه
المدرار
اسمه ونسبه ومولده .
هو الحافظ المؤرخ المفسر عماد الدين أبو الفداء : إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء القرشي
البصروي ، ثم الدمشقي .
ولد في سوريا سنة 700 هـ كما ذكر أكثر من مترجم له أو بعدها بقليل كما قال الحافظ ابن حجر في
الدرر الكامنة.
وكان مولده بقرية "مجدل" من أعمال بصرى من منطقة سهل حوران درعا حاليا في جنوب دمشق
طلبه للعلم :
انتقل إلى دمشق سنة 706 هـ في الخامسة من عمره
وتفقه بالشيخ إبراهيم الفزازى الشهير بابن الفركاح
وسمع بدمشق من عيسى بن المطعم ومن أحمد بن أبى طالب
وبالحجار ومن القاسم بن عساكر وابن الشيرازى واسحاق بن الامدى ومحمد بن زراد
ولازم الشيخ جمال يوسف بن الزكى المزى صاحب تهذيب الكمال وأطراف الكتب الستة
وبه انتفع وتخرج وتزوج بابنته.
قرأ على شيخ الإسلام ابن تيمية كثيرا ولازمه وأحبه وانتفع بعلومه
وعلى الشيخ الحافظ بن قايماز وأجاز له من مصر أبو موسى القرافى والحسينى
وأبو الفتح الدبوسى وعلى بن عمر الوانى ويوسف الختى وغير واحد.
مكانته العلمية :
ولي العديد من المدارس العلمية في ذلك العصر ،
منها :
دار الحديث الأشرفية ، والمدرسة الصالحية ،
والمدرسة النجيبية ، والمدرسة التنكزية ، والمدرسة النورية الكبرى
ملامح شخصيته وأخلاقه:
لقد حبا الله عز وجل ابن كثير ـ رحمه الله ـ بكثير من الصفات الحميدة ، والشمائل الكريمة ، والخلال العذبة
والتي لا يتصف بها إلا العلماء الأخيار الأفذاذ ، ومن هذه الصفات
1- الحفظ : وهب الله عز وجل ابن كثير حافظة قوية، وذاكرة ممتازة، وموهبة
متفوقة، فكان قادرا على حفظ العلوم، والمتون، واكتناز المعلومات،وظهر أثر ذلك في مصنفاته
2 - الاستحضار: اقترنت صفة الحفظ عند ابن كثير بصفة أخري وهي صفة
الاستحضار، مما يدل علي المنحة الإلهية له بقوة الذاكرة، وقلة النسيان، وهو من أعظم المواهب الإلهية، وأكبر ميزة
للعالم والمصنف والفقيه
3 - الفهم الجيد: هذه الصفة من المنح الإلهية للإنسان، ومن التوفيق الرباني له، وتتأثر
بالعوامل المكتسبة عن طريق الإخلاص، والتقصي والدراسة، والاستيعاب، والاجتهاد، وتحري الدقة العلمية، مما
تساعد صاحبها ـ مع فضل الله تعالي وتوفيقه ـ إلي الفهم الجيد، والإدراك الصحيح، والاستنتاج المقبول، لذلك
يقول عنه تلميذه ابن حجي " وكان فقيها جيد الفهم، صحيح الذهن "
4 - خفة الروح: وهذه الصفة من الصفات الحسنة للإنسان عامة،
5 - الالتزام بالحديث والسنة: من صفات ابن كثير أنه كان حريصا على التزام
السنة، والدعوة إلى اتباع السلف،
6 -الخلق والفضيلة والموضوعية: كانت أخلاق ابن كثير رحمه الله حميدة، ويلتزم
الفضائل والقيم، وسعة الصدر، والحلم، والصداقة المخلصة، والتقدير لشيوخه،
7_الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهذا من المباديء الإسلامية الرشيدة فى
الدعوة والنصح والإرشاد،
8_إنصاف الخصوم
9_الإصلاح الديني
عقيدته
تنازع الأشاعرة والسلفية في أمر معتقده.
فأما الأشاعرة
فزعموا أنه أشعري العقيدة
حيث ذكر الحافظ بن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة, ص17 ج1 باب الهمزة (وهو حرف الألف)
قصة حدثت بين ابن القيم وابن كثير عندما قال ابن كثير لإبن القيم
"أنت تكرهني لأنني أشعري فقال له لو كان من رأسك إلى قدمك شعر ما صدقك الناس في قولك إنك أشعري وشيخك ابن تيمية"
, كما أن ابن كثير تولى مشيخة دار الحديث الأشرفية،
وشرط واقفها أن يكون أشعري العقيدة -انظر طبقات السبكي [1]
و رأى السلفية
أنه كان واضحا وجليا أن ابن كثير سلفي الأعتقاد في غالب بل كل مؤلفاته,
فكان يصرح بها, ولعل المتتبع البسيط لتفسيره (تفسير القرآن العظيم)
يرى بوضح وبدون أدنى لبس أنه على عقيدة شيخه أبن تيمية.
وكذلك ما كتبه في أول كتابه الجليل "البداية والنهاية"
عن علو الله على عرشه وإثبات صفة العلو والفوقية لله العلي القدير.
أما ما أثير حول كونه أشعريا,
لقبوله مشيخة دار الحديث الأشرفية التي شرط وقفها أن يكون المدرس فيها أشعريا,
فهو شرط غير ملزم، وقد ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية علماء سلفيون من قبله:
مثل الحافظ جمال الدين المزي والحافظ أبو عمرو بن الصلاح.
أما ما رواه الحافظ ابن حجر فهي كما قال نادرة وقعت بينهما،
ولم تكن في مقام البيان والإقرار. ولا مانع من كون هذه الكلمة على فرض صحتها
أنها خرجت منه على سبيل الفكاهة فهذا الحافظ ابن حجر يقول عنه في الدرر الكامنة :
(وأخذ عن ابن تيمية ففتن بحبه، وامتحن بسببه. وكان كثير الاستحضار،
حسن المفاكهة. سارت تصانيفة في البلاد في حياته، وانتفع بها الناس بعد وفاته).
فنجد الحافظ ابن حجر يقول أنه (حسن المفاكهة).
والمقصود بقوله "لأنني أشعري" ه
و ما وضحه إبراهيم بن ابن القيم حين قال له "لو كان من رأسك إلى قدمك شعر"،
أي كثرة الشعر. وهذا من باب المعاريض، وهو جائز في المفاكهة والتندر بلا ريب.
فرسول صلى الله عليه وسلم عندما سأله الرجل في غزوة بدر
من أين أنت قال أنا من (ماء). وهذا ما يسمى تعريض.
و مما يقوي رأي السلفية
هو ما قاله ابن كثير بنفسه عن رجوع الأشعري عن ما قاله في العقيدة.
فلو كان ابن كثير أشعرياً فهو إذاً على العقيدة التي يعتقد أن الأشعري إستقر عليها آخر عمره.
كما يقوي ذلك شدة تأثره بـابن تيمية وتبجيله له وانتصاره له حتى توفي ودفن بجواره.
وقد خالف ابن كثير أصول الأشاعرة وردهم في كثير من المواضع,
وكان مساندا لشيخه الأمام أبن تيمية وبالذات في مسائل الأعتقاد,
فالذهاب إلى أنه أشعري لحادثة قبوله الوظيفة،
فهو يعلم أنه لايلزم صاحب الوقف هذا الشرط في الوقف،
بل أن أبن كثير نشر عقيدة السلف وخالف الأشاعرة في دروسة,
وعامة تلامذته من السلفية, وأن مرد الكلام كله أن صاحب الكلام أعني السبكي,
كان عدوا لدودا لشيخ الإسلام أبن تيمية وهو أحد أهم الأسباب في سجن أبن تيمية,
وكان ذو نفوذ وقوة عند حاكم البلاد, فسطر في كتابه ما أراد كونه أشعريا,
وكان الكل من طلاب شيخ الإسلام كأبن كثير وأبن القيم وغيرهم,
يدركون أن مواجهة السبكي تعني سجن القلعة,
وحدث هذا بالفعل للأمام أبن القيم فقد سجن هو الأخر,
ولكن أبن كثير أتقى وأبتعد عن مواجهة السبكي.
فلايصح الأستدلال بأدلة الغريم والقرائن وهذا معلوم عند أهل الأصول والعلم.
منهج ابن كثير في "تفسيره" فيمكن حصره في خطوات ثلاث:
الأولى:
اعتماده تفسير القرآن الكريم على المأثور؛ فهو أولاً يفسر الآية بآية أخرى، وهو في هذا شديد
العناية، وبارع إلى أقصى غاية في سرد الآيات المتناسبة في المعنى الواحد. ثم بعد ذلك يشرع
في سرد الأحاديث المتعلقة بالآية المراد تفسيرها، ويبين ما يُقبل من تلك الأحاديث وما لا يُقبل.
ثم يشفع هذا وذاك بذكر أقوال الصحابة والتابعين، ومَن بعدهم من أهل العلم، ويرجِّح ما يراه
الأرجح، ويُعْرِض عن كل نقل لم يصح ثبوته، وعن كل رأي لم ينهض به دليل .
الثانية:
ومن منهجه - وهو مما امتاز به - أن ينبِّه إلى ما في التفاسير من منكرات المرويات الإسرائيلية
فهو مثلاً عند تفسيره لقصة البقرة، وبعد أن يسرد الروايات الواردة في ذلك نجده يقول: "والظاهر
أنها مأخوذة من كتب بني إسرائيل، وهي مما يجوز نقلها، ولكن لا تصدق ولا تكذب، فلهذا لا يعتمد
عليها إلا ما وافق الحق عندنا..." وقد حدد موقفه من الروايات الإسرائيلية، فقال: " وإنما أباح
الشارع الرواية عنهم، في قوله صلى الله عليه وسلم: (... وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ...)
فيما قد يُجوِّزه العقل، فأما فيما تحيله العقول، ويحكم فيه بالبطلان، ويغلب على الظنون كذبه فليس
من هذا القبيل".
أما الخطوة الثالثة من منهجه
فتظهر من خلال التعرف على موقفه من آيات الأحكام، إذ نجده ينقل أقوال أهل العلم في مسائل
الأحكام، مشفوعة بأدلة كل منهم، ثم يُرجِّح من أقوالهم ما يرى أن الدليل يدعمه، أو أن السياق
يؤيده وهو في كل ذلك مقتصد غير مسرف، ومعتدل غير مفرط .
وعلى الجملة...فإن تفسير ابن كثير من أخير التفاسير بالمأثور وأنفعها، وأقومها سبيلاً، يُنْبِئُكَ بهذا
قبول الناس له قديمًا وحديثًا، ويكفيك في هذا ما قاله الإمام السيوطي - رحمه الله - في حق هذا
التفسير: " بأنه لم يؤلَّف على نمطه مثله "
للفآئده
كتآب آلبدآيه وآلنهآيه
http://www.al-eman.com/%D8%A7%D9%84%...9%20**/i111&p1وفاته - رحمه الله -
توفي إسماعيل بن كثير في يوم الخميس 26 شعبان سنة 774 هـ في دمشق عن أربع
وسبعين سنة وكان قد فقد بصره في آخر حياته
وقد ذكر ابن ناصر الدين أنه "كانت له جنازة حافلة مشهودة ، ودفن بوصية منه
في تربة شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله تعالى رحمة واسعه